فصل: تفسير الآيات (74- 76):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (74- 76):

{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)}
قوله عز وجل: {فلما ذهب عن إبراهيم الرّوع} يعني الفزع، والرُّوع بضم الراء النفس، ومنه قولهم ألقى في رُوعي أي في نفْسي.
{وجاءتْهُ البشرى} أي بإسحاق ويعقوب.
{يجادلنا في قوم لوط} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه جادل الملائكة بقوله {إن فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينة وأهله} [العنكبوت: 32] قاله الحسن.
الثاني: أنه سألهم أتعذبونهم إن كان فيها خمسون من المؤمنين؟ قالوا لا، قال: فإن كان فيها أربعون؟ قالوا: لا، إلى أن أنزلهم إلى عشرة، فقالوا: لا، قاله قتادة. الثالث: أنه سألهم عن عذابهم هل هو عذاب الاستئصال فيقع بهم لا محالة على سبيل التخويف ليؤمنوا، فكان هذا هو جداله لهم وإن كان سؤالاً لأنه خرج مخرج الكشف عن أمر غامض.
قال أبو مالك: ولم يؤمن بلوط إلا ابنتاه رقية وهي الكبرى وعروبة وهي الصغرى.

.تفسير الآيات (77- 79):

{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79)}
قوله عز وجل: {ولما جاءَت رُسُلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذراعاً} قال ابن عباس: ساء ظنه بقومه وضاق ذرعاً بأضيافه.
ويحتمل وجهاً آخر أنه ساء ظنه برسل ربه، وضاق ذراعاً بخلاص نفسه لأنه نكرهم قبل معرفتهم.
{وقال هذا يومٌ عصيب} أي شديد لأنه خاف على الرسل من قومه أن يفضحوهم على قول ابن عباس، وعلى الاحتمال الذي ذكرته خافهم على نفسه فوصف يومه بالعصيب وهو الشديد، قال الشاعر:
وإنك إلاّ ترض بكر بن وائل ** يكن لك يومٌ بالعراق عصيب.

قال أبو عبيدة: وإنما قيل له عصيب لأنه يعصب الناس بالشر، قال الكلبي: كان بين قرية إبراهيم وقف لوط أربعة فراسخ.
قوله عز وجل: {وجاءه قومُه يهرعون إليه} أي يسرعون، والإهراع بين الهرولة والحجزى. قال الكسائي والفراء: لا يكون الإهراع إلا سراعاً مع رعدة.
وكان سبب إسراعهم إليه أن أمرأة لوط أعلمتهم بأضيافه وجَمالهم فأسرعوا إليه طلباً للفاحشة منهم.
{ومن قبل كانوا يعملون السيئات} فيه وجهان:
أحدهما: من قبل إسراعهم اليه كان ينكحون الذكور، قاله السدي.
الثاني: أنه كانت اللوطية في قوم لوط في النساء قبل الرجال بأربعين سنة، قاله عمر بن أبي زائدة.
{قال يا قوم هؤلاء بناتي هُنَّ أطهر لكم} قال لهم لوط ذلك ليفتدي أضيافه منهم.
{هؤلاء بناتي} فيهن قولان:
أحدهما: أنه أراد نساء أمته ولم يرد بنات نفسه. قال مجاهد وكل نبي أبو أمّته وهم أولاده. وقال سعيد بن جبير: كان في بعض القرآن: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزاجه أمهاتهم وهوأب لهم.
الثاني: أنه أراد بنات نفسه وأولاد صلبه لأن أمره فيهن أنفذ من أمره في غيرهن، وهو معنى قول حذيفة بن اليمان.
فإن قيل: كيف يزوجهم ببناته مع كفر قومه وإيمان بناته؟
قيل عن هذا ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه كان في شريعة لوط يجوز تزويج الكافر بالمؤمنة، وكان هذا في صدر الإسلام جائزاً حتى نسخ، قاله الحسن.
الثاني: أنه يزوجهم على شرط الإيمان كما هو مشروط بعقد النكاح.
الثالث: أنه قال ذلك ترغيباً في الحلال وتنبيهاً على المباح ودفعاً للبادرة من غير بذل نكاحهن ولا بخطبتهن، قاله ابن أبي نجيح.
{هن أطهر لكم} أي أحل لكم بالنكاح الصحيح.
{فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا تذلوني بعار الفضيحة، ويكون الخزي بمعنى الذل. الثاني: لا تهلكوني بعواقب فسادكم، ويكون الخزي بمعنى الهلاك. الثالث: أن معنى الخزي ها هنا الاستحياء، يقال خزي الرجل إذا استحى، قال الشاعر:
من البيض لا تخزى إذا الريح ألصقت ** بها مِرطها أو زايل الحلي جيدها

والضيف: الزائر المسترقد، ينطلق على الواحد والجماعة، قال الشاعر:
لا تعدمي الدهر شفار الجازر ** للضيف والضيف أحق زائر

{أليس منكم رجلٌ رشيد} فيه وجهان: أحدهما: أي مؤمن، قاله ابن عباس. الثاني: آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر، قاله أبو مالك. ويعني: رجل رشيد ليدفع عن أضيافه، وقال ذلك تعجباً من اجتماعهم على المنكر. قوله عز وجل: {قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق} فيه وجهان:
أحدهما: ما لنا فيهن حاجة، قاله الكلبي.
الثاني: ليس لنا بأزواج، قاله محمد بن إٍسحاق.
{وإنك لتعلم ما نريد} فيه وجهان:
أحدهما: تعلم أننا لا نتزوج إلا بامرأة واحدة وليس منا رجل إلا له امرأة، قاله الكلبي.
الثاني: أننا نريد الرجال.

.تفسير الآيات (80- 81):

{قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)}
قوله عز وجل: {قال لو أن لي بكم قوة} يعني أنصاراً. وقال ابن عباس: أراد الولد. {أو آوي إلى رُكنٍ شديد} يعني إلى عشيرة مانعة. وروى أبو سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد». يعني الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فما بعث الله بعده نبياً إلا في ثروة من قومه». قال وهب بن منبه: لقد وجدت الرسل على لوط وقالوا: إن ركنك لشديد.
قوله عز وجل: {قالوا يا لوط إنا رُسُل ربِّك لن يصلوا إليك} وفي اسمه وجهان:
أحدهما: أنه اسم أعجمي وهو قول الأكثيرين. الثاني: أنه اسم عربي مأخوذ من قولهم: لطتُ الحوض إذا ملسته بالطين. وقيل إن لوطاً كان قائماً على بابه يمنع قومه من أضيافه، فلما أعلموه أنهم رسل ربه مكّن قومه من الدخول فطمس جبريل عليه السلام على أعينهم فعميت، وعلى أيديهم فجفت.
{فأسْرِ بأهلك} أي فسِرْ بأهلك ليلاً، والسُري سير الليل، قال عبد الله بن رواحة:
عند الصباح يحمد القوم السُرَى ** وتنجلي عنهم غيابات الكرى

يقال وأسرى وفيها وجهان:
أحدهما: أن معناهما في سير الليل واحد.
الثاني: أن معناهما مختلف، فأسرى إذا سار من أول الليل، وسرى إذا سار في آخره، ولا يقال في النهار إلا سار، قال لبيد:
إذا المرءُ أسرى ليلة ظن أنه ** قضى عملاً، والمرءُ ما عاش عامِلُ

{بقطعٍ من الليل} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: معناه سواد الليل، قاله قتادة.
الثاني: أنه نصف الليل مأخوذ من قطعه نصفين، ومنه قول الشاعر:
ونائحةٍ تنوح بقطع ليل ** على رجلٍ بقارعة الصّعيد

الثالث: أنه الفجر الأول، قاله حميد بن زياد. الرابع: أنه قطعة من الليل، قاله ابن عباس. {ولا يلتفت منك أحد} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: لا ينظر وراءه منكم أحد، قاله مجاهد. الثاني: يعني لا يتخلف منك أحد، قاله ابن عباس:
الثالث: يعني لا يشتغل منكم أحد بما يخلفه من مال أو امتناع، حكاه علي بن عيسى.
{إلا امرأتك إنّه مُصيبها ما أصابهم} فيه وجهان:
أحدهما: أن قوله {إلا امرأتك} استثناء من قوله {فأسر بأهلك بقطع من الليل الا امرأتك} وهذا قول من قرأ {إلا امرأتك} بالنصب.
الثاني: أنه استثناء من قوله {ولا يلتفت منك أحد إلا امرأتك} وهو على معنى البدل إذا قرئ بالرفع.
{إنه مصيبها ما أصابهم} فذكره قتادة أنها خرجت مع لوط من القرية فسمعت الصوت فالتفتت، فأرسل الله عليهم حجراً فأهلكها. {إنّ موعدهم الصبح أليْسَ الصُّبحُ بقريبٍ} فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن لوطاً لما علم أنهم رسل ربه قال: فالآن إذن فقال له جبريل عليه السلام {إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب}» ويجوز أن يكون قد جعل الصبح ميقاتاً لهلاكهم لأن النفوس فيه أودع والناس فيه أجمع.

.تفسير الآيات (82- 83):

{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)}
قوله عز وجل: {فلمّا جاء أمرُنا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه أمر الله تعالى للملائكة. الثاني: أنه وقوع العذاب بهم.
الثالث: أنه القضاء بعذابهم.
{جعلنا عاليَها سافلَها} قال محمد بن كعب القرظي إن الله تعالى بعث جبريل إلى مؤتفكات قوم لوط فاحتملها بجناحه ثم صعد بها حتى إن أهل السماء يسمعون نباح كلابهم وأصوات دجاجهم، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها وأتبعها بحجارة من سجّيل حتى أهلكها وما حولها، وكن خمساً: صبغة ومقرة وعمرة ودوما وسدوم وهي القرية العظمى.
وقال قتادة: كانوا في ثلاث قرى يقال لها سدوم بين المدينة والشام وكان فيها أربعة آلاف ألف.
{وأمطرنا عليها حجارة من سجّيل} فيه ثمانية تأويلات: أحدها: أنه فارسي معرب وهو (سنك وكيل) فالسنك: الحجر، والكيل الطين، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه طين قد طبخ حتى صار كالأرحاء، ذكره ابن عيسى.
الثالث: أنه الحجارة الصلبة الشديدة، قاله أبو عبيدة وأنشد قول ابن مقبل:
ورحلة يضربون البيض عن عَرَضٍ ** ضربا تواصى به الأبطال سجّينا

إلا أن النون قلبت لاماً.
الرابع: من سجيل يعني من سماء اسمها سجيل، قاله ابن زيد.
الخامس: من سجيل من جهنم واسمها سجين فقلبت النون لاماً.
السادس: أن السجيل من السجل وهو الكتاب وتقديره من مكتوب الحجارة التي كتب الله تعالى أن يعذب بها أو كتب عليها، وفي التنزيل {كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم} [المطففين: 7-9] السابع: أنه فِعِّيل من السجل وهو الإرسال، يقال أسجلته أي أرسلته، ومنه سمي الدلو سجلاً لإرساله فكان السجل هو المرسل عليهم.
الثامن: أنه مأخوذ من السجل الذي هو العطاء، يقال سجلت له سجلاً من العطاء، فكأنه قال سُجلوا البلاء أي أعطوه.
{منضود} فيه تأويلان:
أحدهما: قد نُضَّد بعضه على بعض، قال الربيع.
الثاني: مصفوف، قاله قتادة.
قوله عز وجل: {مسومة عند ربك} والمسومة: المعلّمة، مأخوذ من السيماء وهي العلامة، قال الشاعر:
غُلامٌ رماه الله بالحُسْن يافعا ** له سيمياءٌ لا تشقُ على البصر

وفي علامنها قولان:
أحدهما: أنها كانت مختمة، على كل حجر منها اسم صاحبه.
الثاني: معلمة ببياض في حمرة، على قول ابن عباس، وقال قتادة: مطوقة بسواد في حمرة.
{عند ربك} فيه وجهان:
أحدهما: في علم ربك، قال ابن بحر.
الثاني: في خزائن ربك لا يملكها غيره ولا يتصرف فيها أحد إلا بأمره. {وما هي من الظالمين ببعيد} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه ذكر ذلك وعيداً لظالمي قريش، قاله مجاهد.
الثاني: وعيد لظالمي العرب، قال عكرمة.
الثالث: وعيد لظالمي هذه الأمة، قاله قتادة.
الرابع: وعيد لكل ظالم، قاله الربيع. وفي الحجارة التي أمطرت قولان:
أحدهما: أنه أمطرت على المدن حين رفعها. الثاني: أنها أمطرت على من لم يكن في المدن من أهلها وكان خارجاً عنها.